في الوقت الذي تشتد فيه الحملة الانتخابية الاسرائيلية وهيمنة الخطاب الأمني والعسكري، والتفاخر بقتل الفلسطينيين وتهديديهم بارتكاب المزيد من الجرائم، والاجماع الصهيوني على استبعاد القضية الفلسطينية من الأجندة السياسية الإسرائيلية والبرامج الانتخابية، والانزياح أكثر نحو التشدد واليمين، وتتصدر برامج وطروحات اليمين الخطاب السياسي الإسرائيلي ويتنافس عليها غالبية المرشحين، بدءاً بـ غانتس، مروراً بلبيد، وانتهاء بـ غباي.
وفي ظل كل هذا التهديد بسفك مزيد من الدماء والقتل والدمار والتنكر للحقوق الفلسطينية، ارتكبت السلطة الفلسطينية مجزرة جديدة إضافة لسلسلة المجازر التي ارتكبت خلال العامين الماضيين بفرض العقوبات على قطاع غزة، وبحق الموظفين المدنيين والعسكريين واذلال الناس واهانة كرامتهم بقطع آلاف الرواتب من الاسرى وذوي الشهداء والجرحى، والإحالات الواسعة للتقاعد القسري، وتلقي ما تبقى من الموظفين نصف رواتبهم، وإضافة جيش جديد من الفقراء والمشردين الجدد، ومصير الاف العائلات واطفالهم بدون أمل او مستقبل، وباتوا في مهب الريح.
وفي اليوم الذي تلقى الموظفين اخبار احالة بعضهم للتقاعد القسري وقطع رواتبهم الاسبوع الماضي، التقى الرئيس محمود عباس في مقر المقاطعة برام الله مجموعة من السياسيين الاسرائيليين المتقاعدين يهود وعرب، والذين لم يعد يسمع بهم أحد وليس لهم مكان أو أي تأثير سواء سابقا او حالياً في الحياة السياسة الاسرائيلية، في ما يسمى "منتدى الحرية والسلام الفلسطيني".
الرئيس عباس، أكد خلال افتتاح أعمال المنتدى، على أن التنسيق الأمني مقدس، وانه سيواصل حربه ضد الإرهاب والتطرف، وجدد إيمانه بالسلام أكثر من أي وقت مضى، وعبر عن أمله بأن تفرز الانتخابات الإسرائيلية المقبلة من يؤمن بالسلام، وأنه على استعداد للعمل معه من أجل إحلال السلام.
وتفاخر الرئيس عباس بأن السلطة الفلسطينية وقعت على أكثر من 83 اتفاقية مع الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، وروسيا، واليابان، والصين، لهدف واحد، هو محاربة الإرهاب والإرهابيين، وانه لم يخجل بذلك يوماً، في حين ان إسرائيل تمارس الارهاب اليومي ضد الفلسطينين في الضفة وغزة.
الرئيس عباس، الذي يهدد بانه سيقطع العلاقة مع الاحتلال هو نفسة يضرب بعرض الحائط قرارات المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الامني، وهو الذي يكرر كل يوم أنه ضد صفقة القرن من الباب الى المحراب وسيفشلها، ويتهم الاخرين بالتساوق معها، نجده يجدد ثقته بالمؤسسة الأمنية الاسرائيلية من خلال الشراكة معها بالتعاون والتنسيق الامني، وهو الذي أعترف قبل عدة اشهر انه يلتقي رئيس جهاز الشاباك الاسرائيلي نداف أرغمان مرة كل شهر وقال "نحن متوافقان على 99% من القضايا.
الرئيس يؤكد كل مرة بأن التنسيق الأمني مقدس، فالتنسيق الأمني هو الحي الوحيد من بقايا اتفاقية أوسلو، والتي جعلت من السلطة وكيل أمني حصري لحماية المستوطنين وأمن دولة الاحتلال التي تستبيح يوميا مدن الضفة الغربية.
لسنا بحاجة الى تأكيد ما قاله مدير مكتب وزارة الأمن السابق الجنرال احتياط، عاموس غلعاد، في مقال نشره في "هآرتس" الاسبوع الماضي، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقوم بمنع "الإرهاب" وحقن الدم الإسرائيلي، فالتلويح والتهديد أكثر من مرة بوقف التنسيق، هي محاولات لذر الرماد في العيون وامتصاص غضب الفلسطينيين.
من المحزن هذا العار الذي يمشي أمامنا، والقضية الفلسطينية تمر بلحظة تاريخية فارقة، والتهديد بفرض صفقة القرن، واسقاط اسرائيل القضية الفلسطينية من جدول الاعمال الاسرائيلي. وبدلا من مواجهة هذا الصلف والرد الفلسطيني عليه بعقد لقاءات وحوارات فلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز صمود الناس وتمكينهم من المقاومة ضد الاحتلال، من أجل إعادة الاعتبار للمشروع الوطني والقضية، وفرضها على جدول أعمال الانتخابات الإسرائيلية، يلتقي الرئيس عباس مجموعة من الاشخاص الإسرائيليين المنتهية صلاحيتهم في اسرائيل وترتكب السلطة الفلسطينية بأمر من الرئيس عباس مجزرة الرواتب وقطع ارزاق الناس في جريمة وطنية واخلاقية قبل ان تكون قانونية.