البيان الضمني المشترك الذي صدر عن المجاهد خالد البطش والسيد جيسون غرينبلات منسق «صفقة القرن»، تضمن دعوة للرئيس محمود عباس لزيارة غزة. ومع اختلاف المقاصد فإن الفكرة أعجبتني، وأغرتني بالكتابة عنها، ولكن تحت عنوان: «زيارة متخيلة لعباس».
دعونا نفترض أن الرئيس الفلسطيني قرر الاستجابة لدعوة الرجلين، البطش وغرينبلات، وأرسل وفداً مكوناً من اللواء ماجد فرج، أقرب رجالات السلطة إليه، والذي لا يزال يذكر ما حدث في زيارته الأخيرة لغزة، ومعه رئيس الوزراء محمد أشتية، خليفة الذي كان في تلك الزيارة رامي الحمد الله، وذلك للتحضير للزيارة، التي وإن لم تكن الأولى في حياة الرئيس فهي تاريخية في زمن الانقسام.
ولنفترض كذلك أن الرجلين حصلا على كل ما طلبا، بدءاً بالإجراءات البروتوكولية اللائقة باستقبال رئيس دولة، وانتهاء بالوداع الرسمي اللائق والمتناسب مع إيقاع زيارة ناجحة. وسيكون هذا هو أسهل ما يمكن تحقيقه.
وإذا كانت «حماس» لا تعترف بحرس شرف مكون من ممثلين عن القوات البرية والجوية والبحرية، كما لا تعترف بفرقة موسيقية تعزف النشيد الوطني «فدائي» كما كان يحدث في المنتدى أيام ياسر عرفات، ويحدث في المقاطعة أيام محمود عباس، فبالإمكان تسوية الأمر وإرسال القوات والفرقة إلى غزة، وبالتأكيد فإن إسرائيل ستمنح التصاريح اللازمة، ولن تكون هنالك مشكلة.
ولنفترض أن برنامج الزيارة يبدأ في العاشرة صباحاً في أيام شهر رمضان المبارك، فسيكون على رأس المستقبلين إسماعيل هنية الرئيس الأعلى لـ«حماس»، وخالد البطش الممثل الأعلى لـ«الجهاد الإسلامي»، ولن يتخلف أي من ممثلي الفصائل، وفي مقدمتهم ممثلو الجبهتين «الشعبية» و«الديمقراطية» الذين إن قاطعوا المجلس المركزي والحكومة فلن يقاطعوا الزيارة، على الأقل لأنهم في وقت مضى طالبوا بها، ولا يعرف ما إذا كان يحيى السنوار ومحمود الزهار ضمن المستقبلين الرسميين، أم أن «حماس» ستكتفي برئيس مكتبها السياسي، صاحب اللسان الطري على عباس، حتى في أوج الخلاف المحتدم بين الجانبين.
بعد مراسم الاستقبال، سيقرأ عباس لافتة مكتوبة بخط أحمر، أي بلون الدم: «نعم للمقاومة ولا وألف لا للتنسيق الأمني مع العدو».
وبعد مائة متر لافتة بالحجم ذاته، ولكن باللون الأخضر، كتعبير عن تبني «حماس» للكفاح السلمي: «نعم لمسيرات العودة ولا لمقايضة الدم بالدولار».
وبعدها بمائة متر أخرى لافتة أكبر من التي سبقتها: «ارفعوا الحصار عن غزة».
على جانبي الطريق من «إيريز» إلى منزل الرئيس محمود عباس، سيصطف الآلاف مرحبين بالرئيس الشرعي للبلاد، غير أن لكل واحد من هذه الآلاف مطلباً ملحاً خرج لاستقبال الرئيس من أجله. المطلب الوحيد الذي لن يأتي على ذكره أحد هو المطلب السياسي، فقد تنازل القوم عنه منذ تعرفوا على شرب الماء المالح، وتعودوا الرؤية في الظلام جرّاء انقطاع التيار الكهربائي، ومنذ صاروا يحلقون رؤوسهم بالتقسيط المريح، ويشترون ساندويتش «الفلافل» والدفع حين ميسرة.
يصل الموكب الرئاسي إلى المنزل الذي هوجم أكثر من مرة، وصودر كذلك، وها هو يعود لصاحبه، أو أن صاحبه يعود إليه كرمز يراه دعاة الزيارة ذا دلالة على أن الانقسام البغيض، إن لم يكن قد انتهى فهو في سبيله إلى ذلك.
رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» الشيخ إسماعيل هنية، الذي كان في الاستقبال، سيقيم للضيف الكبير - وانتبه هنا لمفردة «الضيف» وما تعنيه - مأدبة إفطار إسلامية؛ حيث يتناول الجميع مع الأذان حبة تمر، ويبلون عروقهم بالماء الصافي أو العصير، ثم يصطفون وراء الإمام هنية لأداء صلاة المغرب، ثم يتوجهون بعد ذلك إلى المائدة، وإلى أن يحين موعد صلاة التراويح سيتناوب ممثلو الفصائل على المنبر لإلقاء الخطب، وستكون الثوابت وكيف أن هذه الزيارة ستحميها من الانقراض، هي النقطة المركزية في كل الخطب، وسيضطر الضيف الكبير إلى هز رأسه، وهو يستمع إلى ما لا يحب من كلام الشعارات والمناسبات.
على العاشرة من صباح اليوم التالي، يغادر الرئيس عباس منزله متوجهاً إلى «إيريز» ثم منه إلى رام الله، تاركاً وراءه لجنة متابعة مشتركة، يكون ممثل «فتح» فيها عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية، عزام الأحمد، المسؤول الدائم عن ملف المصالحة، وشريكه اللدود في المحادثات الطويلة والكثيرة، والتي لم تسفر عن شيء، المجاهد موسى أبو مرزوق. وستقام جلسة احتفالية يترأسها صاحب الدعوة، ممثل «الجهاد الإسلامي»، وحوله سيقف ممثلو الفصائل جميعاً، وسيتلى في مؤتمر صحافي حاشد بيان الاجتماع الاحتفالي، والذي سيؤكد فيه الجميع دون استثناء على حتمية إنهاء الانقسام، وقد يحدد موعد الاجتماع التالي بعد الأعياد، تحت رعاية الأشقاء الذين لا بديل عنهم في أمر المصالحة، وفي العاصمة التي لا بديل عنها.
جيسون غرينبلات سيغرد متباهياً بإنجاز ما دعا إليه، وليس مستغرباً عنه أن ينسب ذلك إلى المقدمات التمهيدية لـ«صفقة القرن»، وجرياً على العادة المستجدة سيغرد ممثل «الجهاد الإسلامي»، مؤكداً نجاح منظمته في تحقيق ما كان مستحيلاً، وهي رؤية عباس في غزة.
أما بنيامين نتنياهو فسوف يتحدث معقباً على الزيارة قائلاً: «لقد اختار عباس التحالف مع (حماس) وردنا سترونه عما قريب في المنطقة C».