أخشى الانغمار في أزماتنا الداخلية- قاصداً المصطنعة بأيدي أبناء شعبي وبأمر سيادي من عقول عفنة التفكير ومائلة على مصلحتها الخاصة- وأمام عيون الحاكم هنا في غزة، تفاديًا من أي رد عنيف على منصة موقع تويتر. فالكثير من المغردين بهذا الفضاء ساذجون ومهاجمون، وما بالكم حين أغرد: عندنا في غزة يبيع أصحاب المولدات الخارجية سعر كيلو الكهرباء (4 شيكل)، أي ما يعادل دولارًا أمريكيًا. وبحال بقى عدد من الحروف في التغريدة أو إن لم يبق وانتقلت إلى تغريدة جديدة، سأتساءل بكل استياء على وضعنا هذا: من المالك الحقيقي لهذه المولدات، ومن المستفيد، ولماذا هذا السكوت من (الحاكم حماس، والتشريعي)؟.
بالكاد أن تكون إجابات تلك الأسئلة مفاجئة وثقيلة. وإذا رجعتُ إلى ردود المغردين من العرب على موقع توتير، سأتفاجأ بنظرتهم لنا كفلسطينيين، التي يملؤها "الاستحقار"، والتي ستترجم إلى كلمات قاسية وتجعلني أتوقع سيناريو ليس غريباً بل متوقعاً، نظرًا لما أكتبه باستمرار عن مشاكلنا الداخلية ومعرفتي بما يبوحون به وما يدور في وجدانهم، وهو على صيغة سؤال: كيف تدعون أنكم تعانون من حصار منذ 12 سنة، وأنتم تحاصرون أنفسكم بأفعالكم وتصرفاتكم الهوجاء ؟
إن نظرتي لهذه الأزمة بالذات، ورغبتي في الحديث عن المولدات الخارجية التي كانت في السابق تركن على جانب الطرقات أمام العلن، والآن تجدها بداخل أراض واسعة ومحال كبيرة في مختلف المناطق بالقطاع، لقيت استغراباً شديداً من مشهد خطوط الكهرباء التي تغذيها تلك المولدات ممتدة على أعمدة شركة الكهرباء الخاصة دون تصرف اعتراضي من الأخيرة.
الأمر الذي يضع علامات استفهام كثيرة، عندما يجد المارة (إنارة صغيرة) معلقة على أعمدة شركة الكهرباء، ورجالًا مكلفين من قبل أصحاب المولدات بأعمال صيانة على الخطوط المغذية لمنازل المواطنين. وهنا أتساءل: هل شركة الكهرباء ليس لديها علم بأن أعمدتها الخشبية والحديدية يستخدمها أخرون غيرها، وهل هي متورطة في ترخيص خطوط الكهرباء لأصحاب المولدات لإعادة بيعها للمواطنين؟
أسئلتي هذه، ذكرتني في تصريح لمدير العلاقات العامة والإعلام بشركة توزيع الكهرباء محمد ثابت، والذي ورد في تحقيق استقصائي أعدته صحيفة الرسالة قبل عام، حين قال إن طواقم الشركة تمكنت من إيقاف عدد من أصحاب مولدات الكهرباء الذين يستغلون الكهرباء الواصلة من الشركة ويعيدون بيعها للمواطن بسعر مرتفع جدا.
يومها لفت ثابت إلى أن الشركة أبلغت الجهات الحكومية في غزة، وجرى تحويل أصحاب المولدات إلى النيابة العامة لأخذ الإجراءات القانونية بحقهم، حيث تعمل طواقم الشركة بجهد شخصي دون مساندة من الجهات الحكومية في غزة. وقال إن الشركة تزيل التمديدات الموضوعة على شبكات الشركة بشكل فوري في حال الكشف عنها، وكذلك يتم ابلاغ الشرطة التي تعمل على رفع قضايا ضد أصحاب التمديدات لدى النيابة العامة.
صراحة لم أقتنع بحرف واحد من الإجابات التي قدمها ثابت كونه يشغل موقع مدير العلاقات العامة. فالعلاقات العامة كما هو معروف لدى طلبة الإعلام، هي وظيفة إدارية يقوم بها الموظف المكلف بها من أجل تصحيح كل ما يطرأ على سمعة المؤسسة أو الشركة.
الكهرباء حاجة أساسية في الحياة، ولا داعي لكي أُنظّر عليكم وأخبركم عن مدى أهميتها. لقد سئمنا من عدم حل مشكلتها حتى الآن، وأرهقتنا التصريحات والبيانات الصحفية الصادرة عن شركة توزيع الكهرباء والفصائل حول عودة عمل محطة توليد الكهرباء من جديد وأحياناً يتوقف مولد واحد وأحياناً يتوقف أكثر من مولد. ومرات نسمع أن الخطوط الإسرائيلية والمصرية تعمل ومرات تتوقف كلياً ومرات تتوقف بعض الخطوط فيها.
لا شك أن الكهرباء من مقومات الحياة الأساسية التي أصبح المواطن في غزة يعطيها اهتماماً كبيراً أكثر مما يعطي لقضيته الوطنية التي تعاني من التشتت والضياع بفعل الاحتلال وأمريكا وبعض الأنظمة العربية المسهلة للمهمات الخاصة لتصفية ما ظل من القضية الفلسطينية، فلا يجب أن نتحدث مع ذلك المواطن المثقل بهموم الحصار والانقسام الفلسطيني عن ( الماء الصالح للشرب وفرص العمل والراتب والصحة والتعليم والأمور الحياتية الأخرى)، لكي لا يشتم قيادة وفصائل هالشعب، غير القادرة على توفير الكهرباء.
كل منا يعرف إنَّ مقومات الحياة الفاضلة هي الأسس التي تُبنى عليها أنماطُ العيش الهنيء، وهي المعايير التي تقوِّم وتعدل طبائعَ البشَر المختلفة بما يعمِّم أخلاقَ المجتمع الفاضل، ويرسخها على جميع المستويات؛ فهي غايةٌ عَزَّ على كثير من الناس تحقيقُها؛ لأنَّ ثمنها باهظ، وسعرَها غالٍ. مقتبسة من موقع مقومات الحياة الفاضلة.
فأنا شخصيًا كآلاف المواطنين في غزة، أجبرت على التعامل مع أصحاب المولدات الخارجية الذين يتنافسون فيما بينهم على إذلال الناس واستغلال حاجتهم الملحة للكهرباء، لحاجة منزلي لساعات كهرباء تزيد عن ما تقدمه الشركة التي تسيير وفق نظام( 8 ساعات وصل و8 ساعات قطع) في هذه الفترة. حيث أدفع رغمًا عن إرادتي للمكلف بإدارة المولد (4 شواكل) ثمناً لكل كيلو كهرباء استهلكه على مدار الشهر. كأن ذلك مطلبُ حياتي، وليس كما هو متعارف عليه، على أنه نوع من الكماليات.
أيعقل أن أدفع هذا الثمن المرتفع، وبذات الوقت تلاصقني فاتورة شهرية من شركة توزيع الكهرباء ثمن الكيلو فيها ( نصف شيكل)، ليتشابه المبلغ الذي أدفعه ثمناً لكهرباء الشركة، مع المبلغ الذي أدفعه ثمناً لكهرباء المولد الخارجي. رغم حذري الشديد في الاستهلاك. وصراحة أكون حذرًا لدرجة كبيرة في استخدام الكهرباء المغذية لمنزلي بواسطة المولد الخارجي، إذ اعتمد بشكل رئيسي على الإنارة، وأحياناً أشغّل تلفازاً صغير وثلاجة تبريد صغيرة موفرة للطاقة.
أخيراً، إن الجهات الحكومية والمجلس التشريعي الذي تعقد لجانه باستمرار في غزة لمتابعة الأوضاع والأزمات الداخلية، مطالبون بكسر صمتهم إزاء انتشار المولدات الخارجية واستغلال حاجة الناس لها. واعتقد أن هنالك حلقة مفقودة، أو أن الصورة واضحة كالشمس وأنا أتجاهل رؤيتها. فأنا فعلاً خائف من ذكر بطل المسلسل أو حتى التلميح به.. يا سادة الـ 4 شيكل (موزعة على أطراف عدة، والكهرباء التي تدخل منازل المشتركين أحياناً من خطوط الشركة الرئيسية). لو إني أعدت تحقيقاً لكان رفعت الستار وقدمت الحقائق دون غموض.. لكن للأسف، فهو مقال أعبر خلاله عن رأيي، وأخفى الحقيقة.
الكاتب: ليث شحادة