بعيون يملأها الامل وتغشاها قطرات الدموع، بقلب قد نَكت فيه البعدُ نُكتةَ سوداء حالت بينه وبين الفرح، من واقع البعد ومن أقدام أقعدها المرض أيدي كبلها الاحتلال بقيوده من كل هذا وأكثر بكثير، يسترق الفلسطيني الذي هُجر قسراً منها وأٌبعد عنها لعقودٍ من الزمن طالت وطال ليلها وما زال ينتظر الأمل بالعودة والتحرير.
أسلاك وأشواك، مسافاتٌ ومسافات اصطنعت، وذاك الجندي الأجنبي الممتشق سلاحه قد فرضته منظومةٍ أمنيةٍ لدولٍة محتلة ليحرسَ حدوداً افترضتها أنها لها، تجاوزت بذلك كل حدود اللباقة والأدب وسرقت إرثُ وتاريخ وحضارة شعبٍ رسم ملامحها بمداد الدم ونور البارود ، حواجز وحواجز ، كاميراتٍ ومراقبات والرصاصُ هنا سيد الموقف.
لعلى لم أكن مبالغاً في وصف ذاك الفلسطيني الذي يجلس شرق مدينة غزة قبالة تلك الموقع العسكري المحاطِ بالهالة الأمنية والعسكرية، وعديدُ الجنود والأسلحة، لكن كل هذه الموانع لم تمنع الفلسطيني أن يسترق النظرَ إلى أرضهِ ولسانُ حاله يقول العودةُ حقٌ كالشمس ولا أستطيع أن أشطرَ القولَ والشمسُ لا تغطى بغربال.
مسيرةُ العودةِ الكبرى:
وهنا لا يزال الشباب الفلسطيني ابن المخيم والقرية والمدينة ابن عكا وحيفا ويافا واللد والناصرة ابن المغار والجورة والمسمية وبيت دراس وعاقر ابن طبريا وهربيا وبئر السبع والمجدل وحمامة ابن فلسطين كلها يحلم ولا يراوده الحلم لو للحظة أن العودة حق ولن ينازعه فيها أحد وأن ما حدث لفلسطين من بلفور قبل مئة عامٍ سينتهي وسيزول مع اصراره، وحتميةٍ قرآنيةٍ يستنير بها في حياته.
نُصبت الخيام وأقيمت الأفراح والليالي الملاح حتى أضحت مزاراً لأهل غزة، فخيمة لأهل عاقر هنا وخيمة لأهل المجدل على ناصية المخيم وخيمة هنا وهناك، لقد استعدوا جميعهم للعودة إلى ديارهم فهم يعرفونها كما تعرفهم، ويحلمون بلقاءٍ بعد طول غياب لتضمهم الأرض بين جنباتها بشوقٍ وحنين.
سنرجع يوماً كلمات لازالت تترد في أروقة تلك الخيام على حدود غزة امتزجت هذه الكلمات ببعض الدموع الذي تحمل الشوق والأمل، مسيرة العودةِ الكبرى هي التظاهرة الفلسطينية الكبرى، والتي ستحمل مجموعة الأحلام إلى الواقع وستفتح باباً للعودة وستضع المجتمع الدولي المنادي بحرية التعبير وحقوق الانسان أمام مسئولياته وستحرج العالم الحر وستنقل رسالة مفادها أن على هذه الأرض شعبٌ ستحق الحياة، لن تكبله قيود الاحتلال وظلمة العرب والعجم.
الثلاثونَ من آذار والعودة:
بعد أحداث يوم الأرض في العام 1967م وبعد أن قامت قوات الاحتلال الاسرائيلي بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة كان هذا المشروع يحمل اسم "تطوير الجليل " وهو في حقيقة الامر هو تهويد الجليل ، ويقدر ما سيطرت عليه قوات الاحتلال من الأراضي في منطقة المثلث والجليل من عام 1948م حتى 1972 م أكثر من مليون دونم بعدها انتشر الخبر، ليكشف زيف هذا المخطط، ولينتفضَ الشعبُ الفلسطيني ليسقط هذا المخطط الصهيوني، ويرتقي وقتها خمسة شهداء من بلدات، عرابة وسخنين وكفر كنا والشهداء هم خير ياسين ، والشهيد خضر خلايلة والشهيدة خديجة شواهنة والشهيد رجا أبو ربا والشهيد محسن طه والشهيد رأفت الزهيري .
يوم الارضِ هذا العام غير.
ليس كسابقاته من أيام الأرض، وليس كما مضت تلك الأيام سيمضي فقد جهز الفلسطيني في غزة نفسه، وحزم أمتعته، وهم بالعودة الي وطنه، مسيرة للعودة نظمها الفلسطينيون بقرار منهم لم ينتظروا أمماً متحدة ولا متجمعَ دولي ولا غير ذلك فصاحب الحق اليوم قوي بحقهِ ولن يهابَ منظومة أمنية كرست قوتها لتقاتل المواطنين العزل، بكافة أشكال القتلِ وأبشعها، هي دعوة تحمل الأمل والتفاؤل هي دعوة لها ما بعدها من الخطوات والتطورات التي يأمل الفلسطينيُ أن تتحقق دعوة تحمل التفاف جماهيريٍ وشعبي وفصائلي كبير نابع من قوة الحق وشرعيته، مسيرة العودة الكبرى هي النموذج الأرقى للتعبير عن الغضب وعدم الرضى، هي الرسالة الأقوى والمقاومة الأعنف والجهد المشترك الذي يأمل الكل بأن يكلل بالنجاح ، مسيرة العودة هي أكبر نماذج ومقومات الوحدة الوطنية ."سنرجع يوما لازلنا نرددها جيل بعد جيل"