العودة.. هي ليست فكرة حديثة الولادة, بل هي حق متأصل في وجدان الفلسطيني أينما كان, منذ هجرة الفلسطينيين في 48 الى الأن ما زلنا نطالب بحق العودة, رُغم وجود العديد من الاتفاقات الدولية والمؤتمرات التي عقدت بشأن حق العودة, وإقرار الجميع بهذا الحق إلا أن أي من القرارات الدولية لم يطبق على أرض الواقع.

انطلقت في الآونة الأخيرة في قطاع غزة دعوة للتأكيد على أن حق العودة لم ولن ينسى, وظهرت مطالبات بالاحتشاد  من داخل قطاع غزة يشمل كل سكان القطاع على السياج الحدودي مع الاحتلال وبعد ذلك الدخول الى الأرض المحتلة, هذه الفكرة طُبقت لأول مرة في عام2011, ولكن لم تكتمل لعدة ظروف.

لا شك أن انطلاق  مبادرة مسيرة العودة الكبرى في ظل حالة الضيق التي يعاني منها القطاع يجعل منها منفساً كبيراً للفلسطينيين للتمرد على الواقع وهي محاولة للفت الانظار بأن الفلسطيني لن يتخلى عن أي من الحقوق والثوابت الوطنية.

 الهدف الاساسي من مسيرة العودة الكبرى هو تطبيق قرار الامم المتحدة الخاص بحق العودة 194, والمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين من مختلف أنحاء العالم الى القطاع,سيشمل الحراك مناطق عدة من الضفة والقطاع والاردن ولبنان وغيرها من الدول التي ستدعم حق الفلسطينيين.

القائمون على المسيرة أكدوا بأنها شعبية فلسطينية مليونيه سلمية, سوف تبدأ اولى خطواتها في 30 مارس وصولا الى مسيرة العودة في 15 مايو، وستبقى لمدة زمنية محددة في محاولة لإيصال رسالة الى العالم وخاصة الدول الكبرى بأن الاجيال القادمة لن تنسى ونفي المقولة الاسرائيلية" الكبار يموتون والصغار ينسون", فهي فكرة ودعوة شبابية بحته.

ازدادت ادعاءات الاحتلال في الفترة الأخيرة بوجود العبوات الناسفة على الشريط الحدودي, والتي لم يعلن أي من الفصائل مسؤوليته عنها، إلا أننا لا ننكر بأن مشروع العبوات الناسفة بدأ منذ إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة لإسرائيل  ضمن "صفقة القرن" وهي المشروع التصفوي للقضية الفلسطينية, مما يعني أن المتهم الأول في تلك العمليات هي الاحزاب الفلسطينية داخل القطاع, ولكن المثير للاستغراب أن العمليات الأخيرة لم يعلن أي فصيل عن مسؤوليته عنها,  ذلك يضعنا أمام جملة من التساؤلات، هل فعلاً بدأ الاحتلال في التصدي لفعاليات مسيرة العودة بادعاءات تفجيرات عبوات ناسفة على الحدود؟. وبالتالي يبدو أن إسرائيل أبدت استعداداً أكبر لمواجهة الخطر فهي تخطط لإستخدام طائرات لإلقاء الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين, ويمكن القول بأن هذه الدعوة أكثر ما يربك إسرائيل الأن وتحاول أخذ الاحتياطات الازمة للتصدي لها بكل الوسائل؟

الجدير ذكره أن هذا الحراك غير مختص بفصيل معين بل هو حراك وحدوي شامل, وهذا ما سيشكل تخوف أكبر لقوات الاحتلال في حالة اندفاع الاف المدنيين على الشريط الحدودي, وبالتالي فإن الارباك الأكبر لها أنها في حال استخدمت القوة العسكرية ضد المدنيين ستواجه رفضاً عالمياً لأن المسيرة بشعارها العام سلمية, وفي حال لم تستخدمها وسمحت للفلسطينيين بعبور السياج الحدودي والاستقرار داخل الأراضي المحتلة وهذا ما لا يمكن تقبله إطلاقاً لأن فيه انهيار لكل القرون التي قضتها إسرائيل بالسيطرة على الأراضي, وبالتالي تغير في الخريطة الديمغرافية لها.

سبل نجاح الحراك الشعبي ممكنة وغير ممكنة في أن واحد, ممكنة في حالة تمكن القائمون على الحراك من إبقاء التخييم والحشد لأطول فترة زمنية وبمشاركة مجهودات دول أخرى بالطبع لتشكيل أداة ضاغطة على المجتمع الدولي, ويحتاج الحراك الى تسيير وضبط ميداني ودعم لوجيستي, وللحصول على التأييد الدولي هي بحاجة للحفاظ على طابعها السلمي لأنه المعيار الأكبر لإثبات قدرة الفلسطينيين على التعامل السلمي للمطالبة بالحقوق كما ينادي دعاة السلام,  وفي حال  تمكن الفلسطينيين من استقطاب دعم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي ترفع شعار السلام فهذا سيكون حافز جيد للفلسطينيين للحصول على مكاسب أكبر, لذلك إذا توفرت الأمور الازمة لإبقاء الحراك مشتعل كبدايته  وسلمي من الممكن نجاحه, ولكن إذا كان عبارة عن مسيرة انتهت بعد اسبوع من اشتعالها واستجاب الفلسطيني لاستفزاز الاسرائيلي الذي من المحتمل أنه لن يؤمن مكره وسيستخدم شتى الوسائل لحملهم على استخدام القوة وتحويلها الى مسلحة لإعطائه الحق باستخدام السلاح وإيقاع الضحايا, فسرعان ما تتبخر كل الاحلام التي بنيت عليها ولن تحقق نتائج مجدية لأي طرف.

يعاني الكل الفلسطيني الأن من فترة حرجة وضيقة المضمار في كافة الأمور السياسية, قضايا عالقة هنا وهناك, وضغط دولي للعودة الى طاولة المفاوضات,  استفزاز الفلسطينيين بنقل السفارة وفشل المصالحة, وغضب شعبي وخاصة في قطاع غزة بعد كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المليئة بإلقاء التهم على القطاع وخاصة حركة حماس, الاستعداد الفلسطيني للحراك الشعبي وكيف ستكون المواجهة, الفترة القادمة ستكون فترة صعبة على الجميع, سواء السلطة أو الاحزاب داخل القطاع يأتي ذلك في ظل حالة التردي والفقر التي يعاني منها القطاع ومحاولة تركيع القطاع بتضييق الخناق من قبل السلطة باتخاذ مجموعة من الاجراءات العقابية بادعاءات أن حماس من فجرت موكب الحمد لله وحتى الأن لم تظهر أي دلالات تشير الى ذلك سوى أن حماس هي المسؤولة عن الأمن وبالتالي هي بحاجة الى إثبات براءتها من ذلك للعودة الى طاولة المصالحة مرة أخرى ولاشك بأن المصالحة اصبحت حلم بعيد المنال بعد كلمة الرئيس التي ضربت بعرض الحائط كل الجهود المصرية.

نحن بحاجة الى إعادة ترتيب الأوراق وأن تحل القضايا الوطنية وهموم المواطن على رأس جدول أعمال الحكومة, والتغاضي عن بعض سلبيات بعضنا لتمكين الحكومة والعودة الى دائرة المصالحة.