لم نكن نتوقع في يوم من الأيام أن يصل الحال في شعب غزة الشامخ كالجبال أن يُذل وأن يُجوع بهذه الطريقة الغير مسبوقة في تاريخه، والأغرب هنا من هو المتسبب في هذا الذل وهذا الجوع.
لقد اشترك الجميع في تلك المعاناة باسم صراع الإيرادات بين حركة حماس والرئاسة الفلسطينية بالإضافة إلى العدو الصهيوني فبعد أن نجحت حركة حماس في الحصول على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي توقع الشعب في حينه أن يكون هناك انتعاش في حياته لتحسين وضعه وأن يتحمل المجلس التشريعي أمانة هذا الشعب لحياة كريمة إلا أن هذه الأمانة لم تصان فجاع الشعب وأُهينت كرامته، من خلال عدم تقديم أي حلول لمعاناته بل زادت أعبائه وانعدمت حياته بسبب الحزبية المقيتة وأصبحت حركة حماس في حينه تقتسم خيرات وغنائم غزة على أفرادها ونسوا الشعب.
كذلك الرئاسة الفلسطينية تم اختيارها من قبل الشعب لكي يحيى حياة كريمة وليس لتكريس معاناته وآهاته لتزيد العقوبات على شعب وضع الأمانة في عنقك، فالرئيس مجبر على إيجاد الحلول للانقسام بدون أن تؤثر تلك الحلول على حياة المواطن الفلسطيني، ما هو ذنب الشعب ليقع بين فكين السلطة التشريعية والسلطة الرئاسية التي اختاركم الشعب من أجل أن توصلوه لبر الأمان وليس لتغرقوه وتجوعوه. عندما يقوم العدو الصهيوني بفرض حصار على قطاع غزة يبقى عدو وهو حريص على أن نكون تحت الاحتلال وتحت الحصار حتى لا نفكر إلا بلقمة العيش وتكون القضايا الوطنية وقضية القدس واللاجئيين خارج نطاق تفكيرنا، لذلك استمرار الانقسام والصراع اللاوطني بين طرفي الانقسام هو تساوق مع الاحتلال الإسرائيلي ودعم رؤيته من خلال تدمير المشروع الوطني الفلسطيني.
من هنا نقول وبكل صراحة إن تجرؤ الرئيس الأمريكي ترامب على القدس بجعلها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته في القدس فهو يعرف جيداً أن الفرصة ذهبية وذلك بسبب الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، كذلك وضع الإقليم المتهتك جعلته يتخذ هكذا قرارات، بالإضافة لصفقة القرن التي جاءت بناءاً على تلك الوقائع الحاصلة من تفكك المجتمع وانهيار القضية الفلسطينية إلى المنحدر ووصول المواطن الفلسطيني وبالأحرى الغزاوي إلى الانهيار والبحث عن لقمة العيش وان ليس بمقدوره سوى إطعام أطفاله وحمايتهم من الجوع والتشرد، فالإنسان أهم من أي شيء هكذا أوصت الشرائع السماوية بأن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل امرئ مسلم، فما بالكم بشعب يجوع ويقتل في اليوم ألف مرة من شدة المعاناة التي لا تتحملها الجبال وعلى أيدي من حملوا أمانة هذا الشعب.
لا زالت المتاجرة بمعاناة الشعب مستمرة لأنه الخاسر الوحيد في كل المراحل هو الشعب مجدداً، وإن ما حصل في الآونة الأخيرة من استهداف لموكب رئيس الوزراء رامي الحمد لله ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، المستفيد من هذا العمل الإجرامي هو من لا يريد الخير للشعب ولا للمصالحة ولا للمشروع الوطني الفلسطيني، لذلك يجب أن تكثف الجهود للاستمرار في المصالحة وليس للمزيد من الانقسام ومزيدا من ترك غزة وحيدة في وجه أي مؤامرات تحاك ضد القضية الفلسطينية وأن الاستمرار في المزيد من العقوبات المالية والاقتصادية ضد غزة لن تتحملها حماس، بل من سيذوق طعمها ومرارتها هو الشعب مجدداً، على الرئيس الفلسطيني عدم ترك غزة وحيدة تواجه التصفية والضياع، كذلك على حركة حماس أن تكون أكثر مصداقية في تسليم كل شيء في قطاع غزة لحكومة الحمد لله وليس أن يكون التسليم صوري، فمازال هناك فرصة أخيرة لإنقاذ غزة من الموت من خلال وضع الكرة في ملعب الحكومة حتى لا يكون لها أي مبرر لترك غزة تنزف.