الذي تابع "مسيرة" العودة التي أنطلقت من قطاع غزة نحو حدود الأراضي المحتلة عام 1948، يلاحظ حجم المشاركة الشعبية الكبيرة التي وصلت إلى عشرات الالاف، وهي تحمل رسائل عديدة من أهمها أن حق العودة لا يمكن تجاوزه، وأن كل من يفكر غير ذلك يكون واهما، وأيضا أن الحصار لم ولن ينل من عزيمة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لا بل يزيدهم اصرارا على مواصلة النضال وبأشكال مبتكره.
لا شك بأن الثمن الذي تم دفعه من شهداء وجرحى هو كبير، ولكن في ذات الوقت هذه الدماء أعادت طرح القضية الفلسطينية ليس فقط في وسائل الاعلام وإنما أيضا على مستوى هيئات الأمم المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية، وأعادت لتذكر العالم بالوجه البشع لهذا الاحتلال، الذي قتل وجرح دون أن تكون هذه المسيرات تشكل خطرا على حياة أي من جنوده ودليل ذلك أن احدا منهم لم يجرح، فهم يمارسون عادة القتل والتنكيل بالشعب الفلسطيني كدولة فوق القانون، وتساندها أكبر دولة في العالم.
هذه المسيرات والتي أعتقد بأنها جزء رئيسي وتأتي في سياق ما كان قبلها في القدس وفي الضفة الغربية بشكل عام وتتكامل مع حالة النهوض الشامل الذي يسعى إليه الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة، ويمكن القول بأن هذه المسيرات تشكل حاله فارقة في النضال السلمي فقد ارعبت دولة الاحتلال وجعلتها تُسخر كل امكانياتها امام هذه الحشود السلمية خوفا ليس من أن يعودوا (الآن) إلى حيفا ويافا لا بل خوفا من أن تشكل هذه المسيرات نموذجا فريدا في مواجهة جنود الاحتلال، وبخاصة أن هناك تجربة سابقة كانت عام 2011 في مارون الراس في لبنان وعلى حدود فلسطين من الجانب السوري وسقط خلالها شهداء وجرحى، وتعاملت معها دولة الاحتلال كعادتها بالقتل دون أي رادع اخلاقي أو قانوني.
إن المسيرات السلمية بدأت في ذكرى يوم الأرض الخالد وتصل ذروتها، كما تم الاعلان عنه، يوم نكبة الشعب الفلسطيني في منتصف شهر أيار المقبل، هي أحدى أهم الوسائل التي ترعب دولة الاحتلال، ولكن يبقى هذا النضال ناقصا إذا ما استمر الانقسام في الساحة الفلسطينية، لأن الانقسام هو مقتل المشروع الوطني، ولا يمكن النهوض بمقاومة سلمية تجمع الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وتفعيل دور الشتات في ظل الانقسام وفي ظل عدم الاتفاق على برنامج وطني أساسه أن نكون جميعا في
خندق واحد معتمدين على أنفسنا لأن هذه المرحلة تحتم علينا أن نتفق لأن القادم هو "نكون أو لا نكون"، وحتما سنكون فنحن احفاد العنقاء وستبقى بوصلتنا نحو القدس.
نحن بحاجة الآن إلى الوحدة فهي أساس العودة وأساس لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فلنعمل على استنهاض مكنوناتنا الداخلية والاتفاق على برنامج وطني تحرري يتم العمل على تجسيده عبر خطة واضحة المعالم، تخضع لتقيم دوري، وتحوي على بدائل وخيارات وتعتمد على الفعل وليس ردات الفعل، أساسها أننا جميعا مستهدفون.