يعتبر المجلس الوطني الفلسطيني أحد أهم أجهزة منظمة التحرير الفلسطينية، ويعتبر السلطة التشريعية العليا للفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم, بعد عقدين من الانقطاع والجمود, وبعد أن وصلت الحالة الفلسطينية السياسية أوجها من الخراب والركود, وبعد فترة من التخبط الفلسطيني, أعلنت القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس عن رغبتها في عقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في أواخر الشهر الحالي.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني العديد من الدورات العادية ما قبل عام 1996 واعتبرت أخر دورة عقدت في هذا العام حيث تم خلالها الغاء بعض مواد الميثاق في ظل غياب مكونين مهمين من مكونات منظمة التحرير هما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة جورج حبش، أحدثت دورة المجلس هذه هزة عنيفة داخل النسيج الفلسطيني حيث انتقدها الكثيرون لأنها قدمت ورقة رئيسية لإسرائيل دون مقابل، وهزت صورة المنظمة في وجدان الكثيرين الذين كانوا ينظرون إليها كممثل للشعب الفلسطيني واجب عليه أن يأخذ مثل هذه القرارات المهمة بتوافق وطني.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني في 2009 دورة طارئة واستثنائية بعد وفاة أحد أعضاء المجلس ليبلغ عدد المتوفين منهم ثلثي الأعضاء البالغ عددهم 12 عضو توفي منهم 6 أعضاء فكان لابد من عقد الاجتماع الطارئ لكي يتم انتخاب أعضاء جدد قبل أن يفقد المجلس الوطني الفلسطيني أهليته.
التحضير لعقد جلسة المجلس الوطني الفلسطيني هي حالة استثنائية تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية في الأوقات الحالية, التي تعاني من ذروة السخونة السياسية على كل الجبهات, تحاول السلطة الفلسطينية من خلال عقد الاجتماع إيصال رسالة تؤكد مدى تعايشها مع فكرة أنها حكومة مكتملة وعلى درجة عالية من الفاعلية و إظهار أنها بحالة جيدة, إلا أن ذلك لا يخرجها من أزماتها الحالية.
تفسر السلطة الفلسطينية رفض حركتا حماس والجهاد الاسلامي وبعض الفصائل والمستقلين المشاركة في حضور جلسة المجلس راجع الى معارضة شكلية على مكان وزمان عقد الجلسة وهذا ما تلوح به الأن وتحاول إظهار بعض الفصائل بأنها تتهرب من أزماتها بعدم حضورها للنقاش, ولكن تخفي حركة فتح ممثلة ب"محمود عباس" رفضها لدعوة بيروت لعقد المؤتمر حسب تفاهمات بيروت 2017 التي أكدت على أن تعقد جلسة المؤتمر خارج الوطن حتى يتسنى للكل الفلسطيني الحضور والبند الأخر الذي أكد على أن صلاحية عقد الجلسة بحضور كل فصائل المقاومة الفلسطينية, ذلك يجعلنا في حالة من الإدراك برغبة واضحة لقيادة السلطة الفلسطينية في إبقاء شرخ الانقسام في حالة من الاهتراء شيئا فشيئا تمهيداً للتفشي, وبعدها يصبح من غير الممكن الحل.
من غير الممكن إلقاء الحمول على السلطة الفلسطينية في ذبول الحالة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة, كلا الحكومتان تتحملان المسؤولية كاملة, كلاهما في حالة من المشاحنة وغير مكترثين لواقع الشعب, مازالت الحزبية والمصلحة الشخصية مسيطرة على القيادة الفلسطينية جميعها.
انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني كما هو مخطط له, وبدون مشاركة للكل الفلسطيني, لا يؤدي فقط لتعميق الانقسام السياسي, وانما يقودنا لحالة من التفردية في القرار تمارسها السلطة الفلسطينية بل ودكتاتورية في القرار وزيادة في تعميق أزمة القطاع بإتخاذ الاجراءات العقابية التي تجبر الشارع الفلسطيني على التحلل من قيادته العليا وأن يكن لها الكره والعداء حتى على حساب لقمة عيشه.
في الوقت الذي يحاول فيه قطاع غزة إحياء وإعادة قائمة الحقوق السياسية الى الورقة الدولية, والتصدي لقرارات الادارة الامريكية الجديدة الغير متروية والمنحازة للكيان الصهيوني اتخذت السلطة الفلسطينية هذا الموقف ترسيخا لصفقة القرن وفتح الباب عليها، خاصة أن المتوقع أن السيناريو المقترح لمخرجات الجلسة تغيير في الخطاب السياسي والتمهيد لمرحلة ما بعد عباس ويرى البعض إعلان دولة من جانب واحد بمعنى على أراضي "الضفة الغربية", واستثناء قطاع غزة, حتى يتم البدء بتنفيذ قرارات "صفقة القرن" بنقل قطاع غزة الى سيناء كما هو متوقع الأن.
كان يجب على كل الفصائل الفلسطينية استئناف جلسات المصالحة في القاهرة واتخاذ القرارات على محمل الجد, في الوقت الذي تشتعل فيه مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة وتنزف الأمهات أبناءها الشهداء مناديه بأنهم ذهبوا فداءً للوطن, لا نجد بأن القيادة الفلسطينية بشكلها العام تقدم أي تنازلات للشعب, كان لزاماً عليها إنجاح المشروع الوطني الفلسطيني القائم على الشراكة الوطنية وليس التربص للتنكيل بالأخر.
في الختام من المحتمل جداً أن تفشل جلسة المجلس وسط حالة التوتر والغليان ضد السلطة الفلسطينية, ولكن سيخرج بدلالات جوهرية سواء على مستوى الخطاب السياسي, أو التغيير في جوهرية العملية السياسية ك"إعلان دولة من جانب واحد", ولكن نحن كشعب واقع تحت الاحتلال لن تقوم لنا قائمة ما دمنا في شقاق وتربص الاخطاء لبعضنا البعض, نحن بحاجة لجسد كامل لمواجهة الاعداء من يحاول تصفية القضية الفلسطينية أو من يبتلع بالأرض ويصادر حقوقنا.