جولة تصعيد، ثم تدخل أممي ومصري، فتهدئة هشة، ثم بعد عدة أسابيع تكون غزة على موعد مع جولة تصعيد أخرى وتكرار لنفس السيناريو السابق، حتى بات المواطن والمراقب يخشى أن لا تنجح ذات مرة الجهود الأممية والمصرية في إبرام التهدئة؛ فتتدحرج كرة الثلج باتجاه سيناريو المواجهة الشاملة.
تلك البيئة الملبدة بالغيوم تدفعنا للتساؤل: ما هي السيناريوهات المحتملة أمام قطاع غزة؟ وما هي السبل لإبعاد شبح الحرب؟
أولاً: السيناريوهات المحتملة أمام قطاع غزة
الكيان الصهيوني هو اللاعب الأبرز في معادلة الصراع مع المقاومة الفلسطينية، ورغم محاولة المقاومة الفلسطينية فرض وقائع وقواعد اشتباك جديدة، إلا أن ميزان القوة ما زال في صالح دولة الاحتلال، وعليه فإن الجيش الصهيوني هو من يحدد قواعد الاشتباك، ولكنه لا يمكنه تحديد نهاية المعركة ونتائجها.
وعليه فإن قطاع غزة على موعد مع أحد السيناريوهات التالية: إما سيناريو المواجهة الشاملة، أو سيناريو بقاء الوضع الراهن، أو سيناريو المواجهة المحدودة، أو سيناريو الصفقة، ولكل سيناريو ما يدعمه وما ينفيه.
1. سيناريو المواجهة المحدودة: يتعزز هذا السيناريو يوماً بعد يوم، وجوهر هذا السيناريو يقوم على اندلاع مواجهة عسكرية بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية تشابه العدوان الصهيوني على قطاع غزة أعوام (2008 – 2012- 2014م)، بمعنى تكتفي دولة الاحتلال الصهيوني بالقصف الجوي والبحري والبري على غزة دون إعادة احتلال لقطاع غزة، وتقوم المقاومة بالرد واستيعاب الضربة، والإقليم برعاية دولية يعمل على إبرام تهدئة تعزز من معادلة الهدوء مقابل الهدوء دون معالجة لأصل المشكلة وهي الحصار والاحتلال.
• ما يدعم هذا السيناريو:
- الثمن الباهظ لسيناريو المواجهة الشاملة والذي قد يصل لاحتلال قطاع غزة، وهو سيناريو أسود بالنسبة للكيان الصهيوني؛ للخشية من تداعياته لا سيما المتعلقة بمدى قدرة الاحتلال الصهيوني على استيعاب الصدمة نتيجة حجم الخسائر البشرية من الطرفين، وأيضاً كيفية التعاطي مع القنبلة الديموغرافية في القطاع، في ظل تبني الكنيست الصهيوني لقانون القومية الذي يعزز من يهودية الدولة.
- هذا السيناريو من وجهة النظر الصهيونية يعيد قطاع غزة للوراء، ويشغله لبضع سنوات عن مشاغلة جيش الاحتلال واستنزافه.
- أقل تكلفة من سيناريو المواجهة الشاملة.
• ما يضعف هذا السيناريو:
- دولة الاحتلال ليست اللاعب الوحيد، وبذلك قد تورط المقاومةُ الكيانَ الصهيونيَّ للانزلاق في الوحل الغزي.
- الخشية من انفجار الأوضاع في الضفة الغربية.
- الخشية من فتح جبهات جديدة في الشمال (سوريا-لبنان) والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.
- صورة الكيان الصهيوني أمام العالم والخشية من سيناريو التقاضي الدولي.
- ما زال أمام (كوشنير وجرنبلات) متسع للتلويح بالجزرة بدل العصا لتمرير صفقة القرن.
2. سيناريو بقاء الوضع الراهن: قد يستمر الواقع الراهن لفترة زمنية، وتستمر التهدئة الهشة مع بقاء صاعق التفجير قائماً ممثلاً بالحصار والاحتلال والواقع الإنساني البائس في قطاع غزة، مع استمرار مسيرات العودة وكسر الحصار على الحدود والبالونات الحارقة التي تستفز نتانياهو وتجعله عرضة لضغوط الرأي العام داخل الكيان الصهيوني والذي يميل لليمين المتطرف.
• ما يدعم هذا السيناريو:
- لا توجد حكومة معترف بها دولياً وإقليمياً تعمل في قطاع غزة حتى يعمل المجتمع الدولي على رفع الحصار وضخ الأموال والمشاريع دون المرور بحركة مصنفة على قوائم الإرهاب الدولي وهي حركة حماس.
- هذا السيناريو ترتاح له أطراف عديدة لاسيما السلطة الفلسطينية، وأطراف دولية أخرى، وبذلك تعمل تلك الأطراف على استمراريته وديمومته.
• ما يضعف هذا السيناريو:
- هذا السيناريو لا تحبذه الأطراف المعنية وهي حماس والاحتلال الصهيوني، وأطراف دولية وإقليمية أخرى.
- مؤشرات الانفجار ضمن هذا السيناريو كبيرة وكبيرة جداً، وعليه لا أحد يستطيع استشراف المستقبل وهو ما يخشاه البعض ويعمل على تجاوزه وتأتي التحركات المصرية والأممية في سبيل تجاوز تلك التداعيات المحتملة.
3. سيناريو المواجهة الشاملة: فرص الوصول لسيناريو المواجهة الشاملة ضعيفة ولكنها غير مستحيلة، وقد يحدث وإن لم ترغب دولة الاحتلال الصهيوني أو المقاومة الفلسطينية في حدوثه، لا سيما لو استمر سيناريو بقاء الوضع القائم على ما هو عليه، فإن فرص تدحرج كرة الثلج نحو المواجهة الشاملة يزداد.
• ما يدعم هذا السيناريو:
- حالة الاحتقان داخل المجتمع الصهيوني الذي يعيش حالة استقطاب حزبي غير مسبوقة وميل نحو اليمين المتطرف بسبب البالونات الحارقة وما تحدثه من خسائر مادية.
- حدث ميداني كبير هنا أو هناك قد يكون شرار لاندلاع المواجهة الشاملة.
• ما يضعف هذا السيناريو:
- بعد أن نشر الجيش الصهيوني في يناير من العام الجاري وثيقته الاستراتيجية والموقعة من رئيس هيئة الأركان غادي ايزونكت، والذي اعتبر محور المقاومة في (الجبهة الشمالية) التهديد الأول للكيان الصهيوني، واعتبار الساحة الفلسطينية (الجبهة الجنوبية) التهديد اللاحق. ومن يتابع جولة نتانياهو لروسيا، ومدى اهتمام الاحتلال الصهيوني بالعودة لاتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة عام 1974م، والتي تقضي بنشر الجيش السوري بالقرب من الحدود مع إسرائيل، والهدف إخلاء المنطقة من جيوب حزب الله والحرس الثوري الإيراني وأي تنظيمات يرى الكيان الصهيوني في وجودها خطراً استراتيجياً على وجوده وأمنه.
- تخشى إسرائيل من سيناريو تعدد الجبهات خلال أي عدوان على قطاع غزة، بمعنى دخول جبهة الجولان ولبنان على خط لمواجهة.
- إدراك الحكومة الصهيونية عدم جدوى الحرب على غزة.
4. سيناريو الصفقة: هو السيناريو الأقل تكلفة لكل الأطراف، وجوهره يقوم على تحرك أممي لإبرام تهدئة طويلة الأمد مقابل رفع كامل للحصار عن قطاع غزة وتشييد ميناء بحري ومطار جوي، وضخ مشاريع تعزز من التنمية المستدامة في القطاع، وإبرام صفقة تبادل للأسرى بين الطرفين، هذه التسوية ستكون قادرة على ضمان الاستقرار في قطاع غزة لسنوات طويلة.
• ما يدعم هذا السيناريو:
- المناخ الاقليمي والدولي داعم لرفع الحصار والتهدئة على جبهة غزة.
- رغبة الكيان الصهيوني في تبريد جبهة غزة للتفرغ لجبهة الجنوب وضمان إبعاد حزب الله والحرس الثوري الإيراني من سوريا.
- رغبة المقاومة في تفويت الفرصة على المتربصين بغزة، والتنفيس عن السكان بعد اثنى عشر عاماً من الحصار.
- قد تتوافق الإدارة الأمريكية التي ترغب في تمرير صفقة القرن مع هذا السيناريو وتعمل على تعزيزه.
• ما يضعف هذا السيناريو:
- لن تقبل السلطة الفلسطينية والرئيس عباس بأي خطوات في قطاع غزة قبل تمكين الحكومة.
- قد يجد معارضة من أطراف يمينية مؤثرة داخل الكيان الصهيوني.
الخلاصة: قد يكون سيناريو الصفقة هو الأقل تكلفة لكل الأطراف، ولكنه بحاجة لجهود كبيرة وتنازلات مؤلمة من الجميع للوصول إليه، وحتى يتحقق ربما تكون غزة على موعد مع سيناريو المواجهة المحدودة والتي ينبغي علينا كفلسطينيين، وعلى المجتمع الدولي وكل دعاة الإنسانية العمل على تحييد هذا السيناريو من خلال العمل الجاد على تعزيز سيناريو الصفقة.