لم يتخيل أحد في أسوأ كوابيسه أن نهوى في هذه المنطقة الى هذا العدم، ما الذي يحدث وأية محرقة وجدنا أنفسنا وسطها ؟ للمرة الألف كيف الخروج من هذا الجحيم الذي يحاصرنا من كل الجهات ؟ أن يموت شاب هناك في البحار العالية ولا يمكن احضار جثمانه ودفنه بعيداً عن أرضه وأهله.
سيقول البعض بمسئولية عالية من التي اعتدنا عليها "من مات يغرقاً فهو شهيد "هذا كل ما في الأمر من حلول وآخر ربما يقول "غزة تلفظ زوائدها " والبعض الآخر مشغول في شئون السلطة والحكم مع زيادة الانحدار والموت الذي يحدث ببطء قاتل منذ سنوات في تجرد للإنسانية التي تراقب وترى وتحسب وتشهد ماذا يحدث في هذا السجن الكبير ولازال الصراع قائماً بين الفصائل على حكمنا والتحكم بنا فيما يحاول المحكومون الهرب بعضهم يموت في الطريق أو بين موجتين أو على شفا حلم.
كل قصة غزة وهمومها التي تكفي الفلسطينيين لعقود قادمة باتت تتلخص في السفير القطري جاء أو لم يجيء بما لا يساهم بحلول لهذه المنطقة المنكوبة ربما يجد حلاً لجزء من موظفي حماس ولكن ماذا بعد؟ لا أحد يسأل عن الشعب المطحون ولا تلك الأسر التي لا تتقاضى رواتب ولا هؤلاء المساكين الذين يتسولون في الميادين والأسواق ومفترقات الطرق لا يهم ، المهم أن يدخل ما يمكن الحكم من أن يستمر.
غزة تدعو للرثاء طويلاً فالبحر يقتل أبناءها والفقر يحصد كرامتها والمعبر الذي أصبح ملهاة سمجة بين الجانبين يخنق روحها وتلك أكثر القصص ابتذالاً في تاريخها لنتصور أن المعركة قائمة على من ينظم حركة السير لأنهم لا يعرفون أنهم أكثر من شرطي مرور يقف على بوابة ويعيش على ضرائب يدفعها هذا المواطن الذي اكتوى بنار الجهل السياسي والاداري الذي يعصف بنا فلو كان لديهم الحد الأدنى من الوعي السياسي لأدركوا أنهم مجرد خدم لهذا الشعب ولكن لأن علم الساسة غريب عليهم من حقهم أن يمارسوا ما شاؤوا علينا .
لقد تآكلنا حد الشعور بالبلادة واللامبالاة في كل شيء من كثرة الألم الذي اعتصرنا لسنوات طويلة وصرخنا كثيراً دون أن يسمعنا أو يقرأنا أحد ولم يعد يجدي كل ما نفعله فحماس كما كل العرب طالما أن سلطتها بخير فهي بخير باعتبار أن الوطن يعني السلطة، والسلطة في رام الله من ناحيتها تتعامل معنا كأننا من استدعى حماس من بيتها للحكم وهي من قامت بذلك وفشلت في توزيع السلطة بينها وبين من استدعتها وتعاقبنا بجرة انقلاب فشلت في صده وهربت والعالم يعاقبنا بجرة حكم حماس ولا ذنب لنا في غزة بكل ما حدث حتى أقرب الأشقاء لم يرحموننا.
تعبنا من هذا العذاب ومن قصص الألم ومن هواء البحر الذي أصبح كالرصاص ومن البرد الذي يلسعنا صباح مساء ومن الفقر والبطالة ومن انتزاع الكرامة ومن السجن الذي يحوى مليونين من البشر ومن الموتى ومن الأحياء ومن الجرحى ومن نداءات المستشفيات ومن حقائب المال ومن الضرائب ومن الأمن ومن الكهرباء ومن الحكم ومن الشوارع فكل شيء اصبح ضدنا ولم يعد سوى الحزن والكآبة تسيطران على الناس لقد فقدت الحياة التي كانت يوما بريقها وانطفأت من عيون الاطفال اللذين لم يبدأوها بعد.
لتبقى حماس كما تشاء بنفس المنطقة التي تحكمها منذ احد عشر عاما ونصف بلا أمل فللسلاح كلمته ، ولتعاقب السلطة كما تشاء وليسبح الناس على بطونهم كما تشاء ولتخدع السلطة نفسها حين تقول انها تعاقب حماس ولتغلق مصر المعبر كما تشاء فقد تساوت كل الاشياء ولم يعد للناس أمل في أي أحد وفي أي شيء ومن حق أي ممن يمتلكون عناصر قوة ان ينكلوا بنا كما يشاؤون فنحن بنظرهم لا نستحق الحياة .
لم يعد الكلام مجديا ولا الكتابة فهذه المنطقة محكوم عليها بالإعدام من قبل الجميع وأمام الجميع كأنها ارتكبت جريمة العصر وكأن الجميع يريد أن يثأر منها بما فيها أبنائها اللذين لا يشعرون بكل هذا الخراب اللذين يجلسون على أعلى كومته ... ولم يبقى لأهل غزة سوى الله ينقذهم من بين الركام أو أن يبتلعهم البحر كما تمنى رابين ربما يكون أرحم لهم مما فعله بهم سياسيوهم ...!