العقلية التي تتمتع بها حركتا "فتح حماس"، الخاضعة لتركيبات حزبية مقيتة ومؤثرات ظنية قاتلة لأي تقارب أو وفاق، أولدت شهوة استعراضية لإجراء الانتخابات الشاملة التي هي استحقاق قانوني ودستوري غائب عن الشعب من عام 2005 (الرئاسي)، ومن عام 2006(البرلماني).
وسط أجواء من الترقب والشغف في الشارع الفلسطيني لهذه الانتخابات التي تراها "فتح" أنها المخرج الوحيد لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة. في المقابل لدى "حماس" وجهة نظر متقاربة نوعًا ما من حيث المبدأ، وهي أنها مع الانتخابات العامة (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني) رزمة واحدة، بتوافق وطني قبل العزم نحو إجرائها. وهذا يتعارض مع موقف "فتح" التي تريد إجراء الانتخابات التشريعية أولاً ثم تليها الانتخابات الرئاسية.
والجالس (المواطن صاحب الشأن العالي) يشاهدهما من أسفل خشبة المسرح بنظرتين متنوعتين، واحدة صائبة نحو انتخابات شاملة تفرز قيادة وحكومة جديدة ومختلفة مئة درجة عن الحالية، تكون قادرة على إنهاء معاناته المعيشية جراء الانقسام، وأخرى: نظرة عادية ومتأقلمة على رؤية المشاهد المتنوعة التي يجسدها الانقسام والاحتلال، ومغمضة بنفس الوقت قليلاً عن الانتخابات. وهنا أقصد سكان الضفة الغربية، بحكم أنهم مستغنون عن السلطة ومنفتحون على سوق العمل الإسرائيلي، وقد أكون مخطئاً وصائباً في الوصف.
لكن حتمية جدية لمسناها، حين تطرق الرئيس وهو على منصة الأمم المتحدة إلى الانتخابات العامة وأبدى عزمه لإصدار مرسوم رئاسي بهذا الخصوص، كأن حنجرته المتعودة على السعال ومجرى الماء لتقدمه بالعمر، أرادت أن تثبت للعالم بأن الشعب الفلسطيني يؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية ومتحضر ومثله مثل غيره من الشعوب المستقلة.
وباتت القيادة ورئيسها يشعرون بالإحراج من رؤساء العالم ولاسيما من أصدقائهم الأوربيين لغياب الحياة الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية منذ 13سنة، وهذا ما أوضحه لي الكاتب والباحث السياسي علاء أبو عامر في تعاون صحفي بيننا، وقال إن زيارات الرئيس الخارجية في الآونة الأخيرة كان يكسوها مطلب جلي الوضوح، وهو:" اتحدوا أيها الفلسطينيون واجمعوا صفوفكم عبر الانتخابات، لكي تستطيعوا أن تقفوا في وجه الصفقة الأمريكية والمبادرات التي من شأنها أن تصفي قضيتكم، مذكراً بما اعترف به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول إدخال المال القطري لحماس، لغرس الانقسام الفلسطيني أكثر فأكثر بقوة في الأرض.
وفي بعدٍ أخر، اندفاع "حماس" نحو الرئاسة بشهية مفتوحة، ليس مدهشًا هذه المرة بحجم تصاعد خصامها السياسي مع "أبو مازن" ومطبخه برام الله. فهي تواقة أكثر من أي وقت مضى لإزاحة كرسي الرئاسة من تحت ذلك الرجل، وربما أنها لا تطمح لرئاسة السلطة أو منظمة التحرير، فالأمر ليس واردًا في ذهنها، أو لربما أن بعض الدول الأوروبية وضعتها على قوائم الإرهاب والتطرف، وعلى كلٍ ستستغل الصراع والانقسام الداخلي في تنظيم الراية الصفراء في أي معركة انتخابية قد تحصل قريباً، لكسب مقاعد أكبر بالتشريعي وصولاً إلى تشكيل الحكومة، وتدعم أي مرشح أو تجهز دعماً خفياً أو مباشراً له مثل دحلان الذي أسس علاقة متينة معها من سنوات وما جعل حماس تسهل نشاط تياره بأريحيةٍ تامة في غزة، وهذا السيناريو المتوقع. والأيام القادمة ستحدد للفلسطينيين مستقبلهم السياسي. فلتهدأ التحليلات والتقديرات قليلاً.