كشفت كتائب القسام الذراع المسلح لحركة حماس ضمن التحقيق الاستقصائي الأشهر الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية والصحفي تامر المسحال، عن مشاهد ومعلومات تبث لأول مرة، تعكس حجم التطور والقدرة لدى المقاومة في ظل المحاولات الدؤوبة من طرف الاحتلال لإضعافها وضرب حاضنتها الشعبية وصولاً لدفعها للاستسلام بالقوة الناعمة أو الخشنة، ومن أجل تحقيق ذلك عبر القوة الخشنة فرضت إسرائيل حصاراً خانقاً لأكثر من أربعة عشر عاماً، وشنت ثلاثة حروب على قطاع غزة، وعشرات جولات الاستنزاف، وعبر القوة الناعمة عرض مكتب كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وكبير مستشاريه على حركة حماس لقاءاً مع مكتبه في أي عاصمة تحددها حركة حماس، وقدّم وسيطاً آخر عرضاً بقيمة خمسة عشر مليار دولار، وقبول حماس لاعباً رئيساً في النظام السياسي الفلسطيني، مقابل تسليم السلاح الثقيل.
ليس من باب الصدفة أن تفرج كتائب القسام عن هذا الأرشيف في هذا التوقيت، حيث يتقاطع مع أربعة أحداث بالغة الأهمية وهي: 1. الصراع الإقليمي والدولي على حقول الغاز في شرق المتوسط. 2. لقاء الأمناء العامون والبيان الأول للقيادة الوطنية الموحدة. 3. التزامن مع ذكرى اتفاق أوسلو، وهرولة بعض الدول نحو التطبيع. 4. قرار فصائل المقاومة رفع الحصار بالكامل.
أولاً: الصراع الإقليمي والدولي على حقول الغاز في شرق المتوسط. أن تفرج كتائب القسام عن مشاهد الغطس لوحدة الضفادع البشرية في أعماق البحر المتوسط للحصول على مقتنيات لمدمرات بريطانية استهدفت خلال الحرب العالمية الأولى 1917م، لا أعتقد أن الهدف من هذا الفيديو فقط هو الرسالة الربانية، أو رسالة الردع لإسرائيل، أو تريد حركة حماس أن تعكس قدرتها في التصوير والتوثيق، فمن يتابع التطور والنضج السياسي والعسكري والأمني الذي تشهده المقاومة الفلسطينية، يدرك عمق الرسالة وحقيقتها وفي تقديري فإن الرسالة الأهم في هذا المقطع من التحقيق الاستقصائي ما يلي: • قطاع غزة يطل على منطقة شرق المتوسط، والتي تقع على بحر من أجود أصناف الغاز، ولكن إسرائيل تسرق موارد الشعب الفلسطيني، وعليه تريد المقاومة أن تقول لكافة الدول التي تتصارع على منطقة شرق المتوسط، أن أمن حقول وأنابيب الغاز ليست بعيدة عن ضفادعنا، وكأن القسام يريد أن يبرق برسالة للاحتلال أن سرقة موارد شعبنا لا يمكن أن تستمر، في المقابل يموت شعبنا جوعاً. • من يصل إلى هذا العمق، يستطيع أن يصل إلى خطوط الانترنت والاتصالات في عمق البحر المتوسط ويضرب عصب دولة الاحتلال التي تعتمد في ديمومتها وبقائها على قوتها التكنولوجية.
ثانياً: لقاء الأمناء العامون والبيان الأول للقيادة الموحدة. جاء هذا التحقيق متزامناً مع أول لقاء يجمع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية منذ الانقسام بين حركتي فتح وحماس عام 2007م، انبثق عنه لجان، خلصت إلى اصدار البيان الأول للقيادة الوطنية الموحدة التي ستعمل على إدارة الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال كأحد أهم الأدوات للانعتاق من الاحتلال، واستعادة مكانة القضية الفلسطينية بين الأمم. ولسان حال المقاومة لشعبها الفلسطيني الذي سيقود هذه الانتفاضة أن خلفكم مقاومة قوية – ذكية - رشيدة. وتخاطب شباب الضفة الغربية والقدس، والشتات الفلسطيني أن الإرادة تصنع المستحيل، وأن الله معنا لأننا أصحاب حق.
ثالثاً: التزامن مع ذكرى اتفاق أوسلو، وهرولة بعض الدول نحو التطبيع. جاء عرض التحقيق الاستقصائي ما خفي أعظم متزامناً مع توقيع الامارات والبحرين لاتفاقية سلام مع إسرائيل، وجاء متزامناً أيضاً مع ذكرى توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993م ولسان حال المقاومة الفلسطينية يقول للبحرين والامارات ولأي دولة ستلحق بقطاع التطبيع: أكلت كما أكل الثور الأبيض، فلن تحصل دولكم أكثر مما حصلت منظمة التحرير الفلسطينية من وراء اتفاق أوسلو، فإسرائيل كانت ولا زالت هي الكاسب الأكبر من كل الاتفاقيات التي وقعتها مع بعض الدول العربية.
رابعاً: قرار فصائل المقاومة رفع الحصار بالكامل. اتخذت الفصائل الفلسطينية قراراً بإنهاء الحصار الصهيوني، إلا أن اكتشاف بعض الإصابات داخل المجتمع الفلسطيني بوباء كورونا دفع المفاوض الفلسطيني للقبول بما هو أقل من إنهاء كامل للحصار، ولكن هذا التحقيق الاستقصائي يذكرنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأعتقد أن المقاومة عملت على إرسال رسالة الرعب للاحتلال والتي رصدتها في ثلاث محطات رئيسية في هذا التحقيق وهي: 1. مشهد راجمة الصواريخ بعيدة المدى. 2. قوة وقدرة وتطور الضفادع البشرية وهو ما يشكل تهديداً محتملاً لحقول الغاز في شرق المتوسط وخطوط الانترنت، ما يعزز لدى صانع القرار بأن تكلفة إنهاء الحصار أكبر بكثير من سيناريو المواجهة مع المقاومة الفلسطينية. 3. مشهد تدمير الحائط الأسمنتي بقذائف المدمرة البريطانية التي تم الحصول على المئات منها يذكر صناع القرار في تل أبيب بإستراتيجية الهاون التي عملت المقاومة عليها في نهاية عدوان 2014م والتي لو طبقتها المقاومة في معركة مقبلة سيكون لها آثار كبيرة على منطقة غلاف غزة تصل إلى أن تصبح هذا المنطقة منطقة أشباح تكلف الاحتلال لحراستها أكبر بكثير من تكلفة رفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة.
الخلاصة: تحقيق رائع من صحفي فلسطيني نعتز به، ومقاومة ترفع الرأس، لن يستطع أحد المساس بحاضنتها، وأن معاناة شعبنا خلال الأربعة عشر عاماً من الحصار يجب أن تنته، ورسالة المقاومة للجميع: لا نريد حرباً، ولكننا نريد حرية وخلاص من الاحتلال والحصار، فهل سيكون هذا التحقيق الاستقصائي مدخلاً لإنهاء الحصار دون قطرة دم واحدة...؟ الأسابيع القادمة ستجيب.