منذ أن استقر داخل البيت الأبيض لم يتوانى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إظهار عداءه للفلسطينيين, ولم يذخر جهداً لتدمير كل الطاقات التي من الممكن أن تمهد لقيام دولة فلسطينية مستقلة, فقد أضحت حربه العلنية ضد الفلسطينيين واضحة لأفراد المجتمع الدولي, فهو لم يتوقف عند حد إتخاذ قرارات تقويضية للقضية الفلسطينية تجعل منها طي النسيان من الناحية التاريخية, بل يتخذ الإجراءات التي تهدف إلى هدم أركان القضية الفلسطينية بشكلها القائم، بدءً من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة إلى وقف تمويل وكالة إغاثة الفلسطينيين التابعة للأم المتحدة بهدف إلغاء حق العودة في نهاية المطاف.

عند وصوله إلى البيت الأبيض كان يعتقد دونالد ترامب بأن أسلافه من القادة السياسيين كانوا أقل قوة في اتخاذ قرار اتجاه الفلسطينيين وأن بوسعه حل القضية الفلسطينية بشكلٍ بسيط وسهل, فما أن أعلن عن خطته المزعومة حتى واجه الرفض الفلسطيني الحاد الذي عجز على التعامل معه فبدأ باتخاذ الاجراءات العقابية لإخضاع الأطراف لقراراته, فكانت إيران هي الطائر الأول الذي أوقعه ترامب في شباك العقوبات وتلاها الفلسطينيين.

من خلال القراءة المتتابعة للأحداث المتعلقة بمواقف وإجراءات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية توضح جميعها مدى القرب الأمريكي من اليمين الإسرائيلي المتطرف, فمنذ بداية حكمه وهو أداة طيعة في يد اليمين الإسرائيلي, الإجراء الأول لهذا القرب كان الإعلان عن صفقة سياسية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي, والتي بدأت بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم تقليص مساعدات الأونروا، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس،  ورداً على الرفض الفلسطيني القاطع لتلك الصفقة اتخذت إجراءات عقابية أكثر صرامة تتمثل في قطع كامل المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وقطع كامل المساعدات عن الأونروا، ووقف دعم مستشفيات القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

تهدف الإدارة الأمريكية من هذه الاجراءات الضغط على المسؤولين الفلسطينيين للانصياع لقراراتها والقبول بالخطة الأمريكية للسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل لكن وفق شروطها وبدون القدس واللاجئين, يعني إلغاء حق العودة، وهو الذي تعتبره إسرائيل "العقبة الرئيسية في أي مفاوضات"، وإن كان حق العودة قد ألغي فعلاً باتفاق أوسلو الذي سمح لإسرائيل بالتواجد على أرض فلسطين وهي المناطق التي هجر منها الفلسطينيين.

لا يمكن التغاضي عن تبعات إلغاء المساعدات الاقتصادية عن الضفة الغربية، وقطاع غزة  فكلاهما تتعلقان إلى حد كبير بالمساعدات الخارجية عامة، والمساعدات المالية لمخيمات اللاجئين, لذلك فإن التقليص في الميزانية يزيد من سوء الأوضاع الاقتصادية، خاصة في قطاع غزة الذي يأمل من كل حلول سياسية تطرح أن يحسن الوضع المعيشي لسكان القطاع, وخاصة في ظل فشل جهود المصالحة والتهدئة،  فهكذا أوضاع ستدفع السكان إلى تفعيل المواجهات على طول السياج الحدودي وهو ما تريده إسرائيل فإن كانت راضية عما تتخذه واشنطن من إجراءات فهي من الناحية الأمنية تخشى من أن ينفذ صبر الفلسطينيين مع استمرار هذا الضغط.

استمرار الابتزاز الأمريكي للفلسطينيين منذ بداية عهد ترامب لا أتوقع له النهاية, فيبدو أن ترامب بطبيعته الشخصية معتاد على أن يقال له "نعم", وبالتالي فهو صُدم من عدم إمكانية التوصل لحل للصراع الذي اعتقد بالبداية أنه سهل وهين. معظم قراراته تتخذ بعنفوانية زائدة يتضح من  تجرؤه وإلغائه العديد من العهود التي أقامته الولايات المتحدة الأمريكية لحماية حق اللاجئين الفلسطينيين, فهو  يعتقد أن خفض الأموال والمساعدات عن الأونروا والوكالات الأخرى التي تحاول مساعدة الفلسطينيين ستساعد على الضغط على السلطة الفلسطينية.

إيقاف خدمات الأونروا يعني التخلي عن العديد من الخدمات التي تقدمها الوكالة في مجال التعليم والصحة والرعاية التي تقدمها لحوالي لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، فإطلاق مصطلح لاجئ يكفي لوصف الوضع المعيشي لهؤلاء الأفراد, وبالتالي فإن إيقاف الدعم له تبعات خطيرة تهدد الاستقرار.

في الختام يمكن القول بأن ما يتم التعويل عليه من صفقات سلام وحلول جوهرية مطروحة للحل في عهد ترامب لن تلقى القبول الفلسطيني أياً كانت, وذلك لا يعني أنها غير قادرة على المضي قدماً في طريق الصفقة فهي تمتلك القوى التي تؤهلها لذلك, ولكنها ورغم عنجهية ترامب تلقي بالاً للقرارات الدولية, وأن الاجراءات هي جزء من الخطوات الابتزازية التي تتبعها لتحقيق مكاسب سياسية تخدم الطرف الاسرائيلي.