لقد اجتهدت، وحاولت أن تصالح، وأن تنهي الانقسام، وأن تنقذ الوطن من الغاصبين، ولا عيب في ذلك، فالتضحية من أجل الوحدة الوطنية تفضح أكذوبة الانقساميين.
ولكن يا صديقي، مأساة شعبنا لا تتمثل في الاحتلال الإسرائيلي فقط، مأساتنا تتمثل في أولئك الذين كتبوا كتابهم على فلسطين منذ عشرات السنين، وغلقوا على قدرات شعبنا الأبواب، واتخذوا من القضية حليلة لهم وحدهم، فقطفوا ثمرة شبابها، وظل نهجهم عاقراً في صحراء الزمن.
يا يحيى، نطالبك بالعمل مع غيرك على تحرير القرار الفلسطيني من قيودهم قبل التفكير بتحرير الأرض الفلسطينية من الإسرائيليين،
يا يحيى، نطالبك بألا تربط رأس المقاومة في ذيل التنسيق الأمني، وتأكد أن خيارات شعبنا كثيرة، الخيارات كثيرة في غزة ونابلس ورام الله وجنين والخليل.
وأخيراً:
إياكم أن تمنحوا الشرعية لأي مؤسسة تجتمع في رام الله، بعد حصولها على إذن المخابرات الإسرائيلية.
يا يحيى، يحكى أن فلاحاً تمنى أن يقابل ربه نقياً من الخطايا، فاستدعى كل حيوانات الحظيرة التي عملت معه في الحقل طوال سنوات عمره، وطلب منهم المساحة،
التفتت النعجة والكلب والماعز والحمار والبقرة إلى بعضهم البعض، واعترفوا بأن الله سخرهم لخدمة الإنسان، وقرر جميعهم مسامحة الفلاح.
ولكن الجمل أرغى، ومط رقبته، بعد أن تململ، وتطاير الزبد من شدقيه، وقال:
أسامحك يا فلاح على كل ما وضعته فوق ظهري من أحمال، وأسامحك على تجويعي في بعض الأوقات، وأسامحك على تشغيلي طوال الليل والنهار، وأسامحك على تركي وحيداً تحت لفح الشمس وزخات الأمطار، وأسامحك على عذابي طوال أيام الحصار، ولكنني لن أسامحك على شيء واحد.
قال الفلاح: ما هو يا جمل؟
قال الجمل: كنت يا سيدي تربطني في ذيل الحمار حين تسير القافلة، كان الحمار يسير أمامي يا سيدي، وأنا أتبع خطاه، أنا الجمل يا فلاح، ومع ذلك كنت تربطني في ذيل الحمار!!!
لن أسامحك على هذه يا فلاح، وإن كنت قد سامحتك على دمائي التي نزفت في البطاح، وعلى عتمة السجن، وعلى وجع الجراح.