واحد وثلاثون عاماً مضت على تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حققت الحركة عديد الإنجازات الحزبية والوطنية، وأخفقت في العديد من المحطات، فما هي أهم الإنجازات والإخفاقات.
أولاً: إنجازات حماس
خلال مسيرتها أنجزت حركة حماس على كافة الصعد، وسأقوم بحصرها ضمن ثلاثة محاور هي:
1. على الصعيد التنظيمي
نجحت حركة حماس في بناء شبكة مؤسساتية تحكم العلاقات التنظيمية في المجالات
السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية ..الخ. ويضبط إيقاع مراكز صنع القرار داخل التنظيم ديمقراطية دورية تساهم في ضخ دماء جديدة داخل مؤسسات التنظيم ما يضمن حيوية الحركة وقدرتها على العطاء والتطور.
وبلغة أخرى غاب دور الشخص (القائد) لصالح دور المؤسسة، وهذا بات واضحاً في فشل سياسة الاغتيالات والاعتقالات والإبعاد التي مارستها إسرائيل ضد قيادة ونخب حماس منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، وعلى العكس تماماً نجحت حماس في استثمار حماقات إسرائيل لصالحها، فحشدت الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي معها، وترجم ذلك عملياً بعد أن اختارها الشعب الفلسطيني لتمثله داخل المجلس التشريعي الفلسطيني في يناير/2006م وفي العديد من المجالس البلدية والنقابية والطلابية، أضف إلى ذلك أن التربية الحزبية لدى حركة حماس التي تقوم على ركيزة أساسية تقوم على الطاعة للقائد والمسئول كشفت صعوبة اختراق تلك المنظومة عبر بث الشائعات الإعلامية التي تقوم على ضرب الثقة بين القواعد الحمساوية والقيادة، وقد يكون العدوان الأخير (2014م) على القطاع قد أزال كل الشوائب التي تم إلصاقها بحركة حماس وتجربتها بالحكم.
2ـ على الصعيد الوطني
تأسيس حركة حماس أضاف الكثير للحركة الوطنية الفلسطينية، حيث شكلت رافداً مهماً للنضال الفلسطيني والمقاومة بكل أشكالها، وساهم في تعزيز ثقافة سياسية ذات بعد أيديولوجي للتمسك بالثوابت الوطنية، وعملت على بناء جيل مؤمن حافظ لكتاب الله ويستند في مقاومته على بعد عقائدي يساهم في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وحماية الجبهة الداخلية الفلسطينية من أي اختراق، ثم جاءت تجربة حماس في الحكم لتمنح الحركة مساحة للعمل في تطوير بنيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، فقد شهدت المقاومة خلال فترة حكم حماس قفزة نوعية في تطور كفاءتها العسكرية والأمنية، وأصبح لحماس جيشاً أشبه بالجيوش النظامية، وأجهزة أمنية محترفة، وهي أدوات توظفها حركة حماس لحماية الشعب الفلسطيني والمساهمة في كسر الحصار الظالم الذي فرض عليها بعد فوزها بالانتخابات التشريعية في يناير/2006م. فانطلقت حماس ومعها فصائل العمل الوطني لقيادة مسيرات العودة التي شكلت رافعة للنضال الوطني ورسخت أدوات جديدة للنضال ذات طابع شعبي سلمي، وقد حققت المسيرات اختراقاً في جدار الحصار الظالم على قطاع غزة.
3ـ على الصعيد الإقليمي والدولي
أربعة تحديات وقفت وما زالت تقف أمام تطور علاقات حماس الإقليمية والدولية وهي: تبني حماس الكفاح المسلح ضد إسرائيل ما دفع حلفاء إسرائيل إلى تصنيف الحركة على قوائم الإرهاب الدولي – مرجعية حركة حماس الإخوانية وعدم قدرة الحركة على تسويق وثيقتها السياسية 2017م، التي تعلن انفكاكها عن جماعة الإخوان المسلمين – عدم وضوح مدى تبني حماس لمنظومة القيم المدنية التي ينص عليها القانون الدولي – دور السلطة الفلسطينية في تقويض علاقات حماس الخارجية للحفاظ على وحدانية تمثيلها، والخشية بأن تصبح حماس بديلاً محتملاً لها.
رغم ما تتعرض له حركة حماس من عزلة سياسية اقليمية ودولية، وتعاطي أغلب الدول معها من منظور أمني وليس سياسي، إلا أنها حققت نجاحاً على الصعيد الإقليمي والدولي من إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وزرعها في قلوب وأفئدة الشعوب العربية والإسلامية والدولية، وهذا بات واضحاً في مكانة قطاع غزة عند تلك الشعوب، وحجم القوافل والوفود الرسمية والشعبية التي حضرت للقطاع عبر معبر رفح، وعبر البحر المتوسط من خلال سفن كسر الحصار، أيضاً نجحت حركة حماس والقوى الوطنية والإسلامية في إعادة القضية الفلسطينية لعمقها الاستراتيجي العربي والإسلامي مما أضعف الموقف الصهيوني والغربي، وترجم ذلك عملياً في نسبة التصويت الأممي لصالح مشروع قرار فلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، وما تلاها من قرارات داعمة للحق الفلسطيني.
حاولت حماس أن تمزج بين المقاومة والحكم، وتوظيف تلك المزاوجة في تطوير علاقاتها الخارجية، ففرضت على العديد من دول العالم الجلوس معها لإنجاز التهدئة تارةً أو استمزاج رأيها في بعض القضايا الإقليمية والدولية تارة أخرى أو مشاركتها في انجاز صفقة وفاء الأحرار، والتي حررت حماس من خلالها أكثر من ألف أسير قبل عدة أعوام، وما زالت تحاورها للوصول إلى صفقة وفاء الأحرار 2.
ثانياً: إخفاقات حركة حماس
أخفقت حركة حماس خلال مسيرتها في خمس محطات: الأولى عندما أخفقت في بناء هياكلها التنظيمية بناءً يتناسب مع حركة تقود شعبًا وتقود مقاومة، فنجد الكادر الحمساوي يقود أكثر من ملف ومنصب على حساب الجودة، ونجد قانون انتخابات داخل حماس لا ينسجم وحجم حركة باتت تنافس على قيادة المشروع الوطني. والمحطة الثانية عندما استخدمت السلاح في حسم خلافاتها مع خصومها السياسيين، والثالثة عندما فشلت في تشكيل تكتل وطني يساندها في إدارة الحكم، ويعمل على تحسين واقع الحياة في قطاع غزة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وقد يعقّب بعضٌ ليقول: إن الخصوم السياسيين لحماس رفضوا مبدأ المشاركة السياسية معها؛ لما قد يسببه ذلك من انعكاسات سلبية تمس مصالحهم الحزبية”، والمحطة الرابعة عندما وقع بعض من أقطاب الحكومة التي تشرف عليها حماس في فخ مغريات الحكم، فأصبح هناك صراع خفي على السلطة ومغرياتها، وهذا استفز الرأي العام الذي انتخب حماس التي جاءت من الخنادق ولم تأت من الفنادق، فانعكس ذلك سلبًا على أداء الجهاز الإداري لبعض الوزراء ونواب البرلمان. والخامسة فشل الحركة في تسويق وثيقتها السياسية بما يعزز من فرص انفتاحها على المجتمع الدولي والسبب الرئيس في ذلك تباين الخطاب الاعلامي بين قيادات وازنة داخل الحركة حول تفسيرهم للوثيقة.