رحلة طويلة على "حماس" أن تقطعها، حتى تصل إلى المستوى من التفكير السياسي والممارسة التي أشار إليها بوضوح حذر الدكتور غازي حمد.
في مقالته وضع الكثير من النقاط على معظم الحروف الغامضة أو المجتزأة، أو الناقصة في رؤية حماس لنفسها ودورها ورؤيتها.
لا يمكن للانتقادات الذاتية المتفرقة، التي تصدر بين الحين والآخر عن بعض قيادات حماس، أن تبدد هذا الغموض، أو تجسر الهوة بين الواقع والمأمول.
لقد جرت العادة بالنسبة للأحزاب أن تكون مؤتمراتها الوطنية، أيا كان شكل وآلية انعقادها مناسبة للمراجعة والتصحيح، وقد فعلت حماس ذلك في مؤتمرها الأخير ولكن ما صدر عنها "الوثيقة السياسية"، ليست كافية وهي ليست كافية لتحريك الأوضاع العامة كما توقعت قيادة الحركة. لذلك لم يكن غريباً أن تنعكس التفاعلات الخارجية بالنسبة لحماس، على أوضاعها الداخلية في اتجاه إخضاع نشاطاتها الأخيرة للحوار وحتى الاختلاف بين من يؤيد ويدعم تفاهمات الحركة في القاهرة ومعها وبين من يرى غير ذلك.
والسؤال الآن: هل تنجح حركة حماس في ترميم علاقاتها، وبناء تحالفاتها مع المحيط العربي والإقليم، الذي يضج بالصراعات والتناقضات؟
حماس تتحدث عن استعدادها لترميم العلاقة مع سورية، في الوقت الذي يحقق فيه نظام الرئيس بشار الأسد، انتصارات متتالية في الميدان، وعلى المستوى السياسي، أيضاً.
على حماس أن لا تتوقع استجابة معقولة وسريعة من النظام الذي كان يحتاج لدعم حماس، حين كان النظام يواجه صراعات حقيقية تهدد وجوده وتهدد وحدة الدولة السورية.
وربما عليها أن تنتظر طويلاً، حتى تحظى برضى النظام، الذي يتهمها بالانتقال من موقع الحليف المحظي إلى العدو الذي يقاتل ضده.
في زمن سابق وقعت منظمة التحرير الفلسطينية في خطأ الانحياز النسبي لصالح نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حين دخلت قواته الكويت وأعلنت أنها المحافظة التاسعة عشرة.
لم تقاتل المنظمة في صفوف الجيش العراقي، ولم يكن موقفها حاسما مع ما قام به لكن دولة الكويت الشقيقة لم تتسامح مع ذلك الخطأ، إلاّ بعد سنوات، وبعد اعتذار رسمي من المنظمة.
لا بدّ لصانع السياسة الفلسطينية أن يدرك أن القضية الفلسطينية على عدالتها وقوة حقها، لم تعد تشفع لأحد أخطاء كبيرة من هذا المستوى.
وترغب حركة حماس في أن تستعيد كامل علاقاتها مع إيران التي لم تتوقف عن دعم المقاومة ومدها بالمال والسلاح، وترى في ذلك انسجاما مع برنامج المقاومة، لكن برنامج المقاومة ومتطلباته لا ينسجم مع السعي لإقامة علاقة وطيدة مع السعودية مثلاً التي تقف على النقيض من إيران.
وفي الوقت ذاته تسعى حماس للاحتفاظ بعلاقاتها مع قطر وتركيا، اللتين وقفتا معها، وقدمتا لها دعماً كبيراً.
أما حجر الرحى في علاقات وخيارات حماس فهو موجود في القاهرة، التي تقيم علاقات مع سورية، وإيران، والسعودية وحلفها، وتخوض مواجهة مع قطر، وتركيا.
القاهرة تستطيع أن تفعل ذلك، لكن ما يمكن لمصر أن تفعله، لا تستطيع قوى أخرى، خصوصاً الفصائل الفلسطينية أن تفعله.
في ضوء هذه التناقضات، وبعيداً عن خطاب الترفع عن المحاور والعلاقة مع القوى المتعارضة، هل تقول حماس أين هي خياراتها الأساسية، وأين الأخرى الثانوية؟
اليوم يتواجد في القاهرة، وفد كبير يضم أعضاء من المكتب السياسي لحماس في غزة، والخارج، ويشمل مختلف وجهات النظر ما يعني أن الكل يدعم أو عليه أن يدعم خيار التفاهمات التي جرت مع القاهرة وفيها مع النائب محمد دحلان.
تدرك حركة حماس أن خيار تفاهمات القاهرة هو الخيار الوحيد المتاح أمامها، ولكنها تدرك أو عليها أن تدرك، حقيقة أن هذه التفاهمات لا يمكن لها أن تتحول إلى علاقة استراتيجية، طالما بقيت الحركة على ما هي عليه من توهان في الخيارات والعلاقات.
أزمة الثقة لا تزال قائمة بين الطرفين، وما جرى ليس سوى، خيارات تكتيكية من قبل الطرفين قائمة على مبدأ تلاقي المصالح. هذا يعني أن الحركة تخوض امتحان المصداقية والثبات إزاء ما تعهدت به أمام الأشقاء المصريين الذين لم يعد بمقدور أحد في المنطقة منافستهم على حيازة الملفات الفلسطينية.
نعم تأخرت استجابة مصر التي تتصل بتخفيف الحصار على قطاع غزة إن كان ما يتعلق بمعبر رفح، أو التخفيف من حدة أزمة الكهرباء، أو فيما يتعلق بالتبادل التجاري ولكن مع ذلك لا ينبغي أن تستعجل حماس نفاد الصبر.
لقد أظهرت حماس حتى الآن جدية واضحة في تنفيذ ما رتبت عليها تفاهمات القاهرة، دون أن تحصل حتى الآن على المقابل، ولكن ذلك ليس مدعاة للتحول بحثاً عن خيارات أخرى غير موجودة فعلياً أو ما هو موجود منها يتطلب أثماناً باهظة.
لذلك، فإن سكان قطاع غزة كالغريق الذي يتشبث بقشة ينتظرون عودة الوفد، ببعض الإنجازات الملموسة التي يمكن لها أن تغير المزاج العام الذي يسيطر عليه اليأس وخيبات الأمل، ذلك أن ما أنجزته لجنة التكافل ولجنة المصالحة المجتمعية ليس كافياً لتغيير هذا المزاج.